فلسطين أون لاين

تقرير "أكذوبة المناطق الآمنة"... "عثمان" نزح من غزَّة واستشهد في مواصي خان يونس

...
"أكذوبة المناطق الآمنة"... "عثمان" نزح من غزَّة واستشهد في مواصي خان يونس
غزة/ نبيل سنونو:

"أبوك مفقود..."، نزل هذا النبأ كسهم ثاقب على صدر الشاب عطا عبد الدايم (18 عاما)، بعد أيام من نزوح والده تحت النار من مدينة غزة إلى مواصي خانيونس التي يزعم الاحتلال أنها "آمنة".

يتسمر عطا اليوم في مكانه، وتختلط دموعه بمشاعره المتفجرة، غير قادر على تصديق حقيقة أن والده "عثمان" (43 عاما) الذي كان يبحث عن مكان يقيم فيه خيمة نزوح قسري جديد بمواصي خانيونس، عثر عليه جثة هامدة في مستشفى ناصر الطبي.

ويبدو الشاب بعد استشهاد أبيه مثقلا بأعباء تتزايد مع تصعيد الاحتلال عدوانه على مدينة غزة، قائلا لصحيفة "فلسطين": بعد أن أبلغني عمي بفقدان والدي، استمر البحث عنه 12 ساعة، راودني خلالها الأمل ببقائه على قيد الحياة.

لكن العثور على جثمان والده في المستشفى قطع حبال الأمل، واستبدلها بأسى وحسرة، في وقت تكالبت على الشاب المكلوم فواجع الفقد والتشريد والتجويع والتعطيش على مدار حرب الإبادة الجماعية المستمرة للشهر الـ23 تواليا.

نزح عطا مع أسرته قسرا من بلدة بيت لاهيا في بداية حرب الإبادة الجماعية، على وقع العدوان المكثف ضد المدنيين والبنى التحتية والمنازل والمستشفيات، وصولا إلى رفح جنوب القطاع، ليكون ذلك حلقة في سلسلة تشريد لا ينتهي.

وعندما دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني عادت أسرة عطا إلى مدينة غزة كمحطة أولى للعودة إلى بيت لاهيا وإعادة إعمار منزلها الذي دمره الاحتلال هناك.

لكن مع انقلاب الاحتلال على الاتفاق في مارس/آذار واستئنافه حرب الإبادة، بات عطا وأسرته تحت النار مجددا، جنبا إلى جنب التجويع والتعطيش والتشريد.

يوضح الشاب، أن أباه أجبر على النزوح القسري من مدينة غزة إلى مواصي خانيونس بسبب المخاطر المحدقة به على وقع تصعيد العدوان، ليبحث هناك عن منطقة يقيم فيها خيمة لأسرته، لكن الاحتلال الذي ألقى منشورات على الأهالي تطالبهم بالنزوح من المدينة، لم يمهله طويلا وقتله في المواصي.

ويمارس الاحتلال هذه الخديعة بحق أهالي غزة، في وقت يعانون الإنهاك من جرائمه، وافتقارهم لأدنى مقومات العيش، أو حتى تكلفة الانتقال من مكان لآخر تحت النار.

يقول عطا: كان أبي يستلف مالا من هنا وهناك، ليتمكن من النزوح في كل مرة، لكن الاحتلال لم يكتف بكل هذه المعاناة، وقتله.

ويدحض الشاب مزاعم الاحتلال بوجود مناطق "آمنة وإنسانية" في مواصي خانيونس، قائلا: "مفش مناطق آمنة ولا وسع... اللي بيروح هناك بيرجع لمدينة غزة أو بيستشهد هناك في المواصي".

ويضيف: "لازم كل واحد يضل قاعد هنا... يعيش أو يموت في بلاده".

عم عطا يوضح بدوره أن شقيقه الشهيد كافح للعثور على مكان يقيم فيه خيمة لأسرته، قبل أن يفقد ثم يتضح أنه استشهد.

ورغم تصنيف قطاع غزة كأحد أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان في العالم، يعمل الاحتلال على زج أكثر من مليوني مواطن في شريط ساحلي ضيق بخانيونس.

 

مجازر في "المواصي"

وفي قلب مواصي خانيونس، المنطقة التي يروج لها الاحتلال باعتبارها "آمنة للنزوح"، تتكرر المجازر بحق المدنيين، وقد وثقت تقارير أممية وحقوقية خلال الأشهر الأخيرة قصفا متكررا للخيام والأسواق ومطابخ المساعدات، ما أسفر عن مئات الشهداء والجرحى، في مشاهد وُصفت دوليا بأنها "مذابح جماعية" للنازحين.

ويؤكد تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) الصادر في 28 أغسطس/آب أن أكثر من 2,000 مواطن استشهدوا خلال ثلاثة أشهر فقط في محيط خانيونس أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات أو داخل مناطق النزوح.

لكن القصف ليس وحده ما يحاصر المواطنين، فالمواصي التي يزعم الاحتلال أنها "آمنة وإنسانية"، تحولت أيضا إلى بؤرة مجاعة. وفي السادس من الشهر الجاري أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إدخال أكثر من 7,000 طفل دون الخامسة في برامج علاج سوء التغذية الحاد خلال أسبوعين فقط، ليرتفع العدد الكلي إلى نحو 15 ألف طفل.

وفي السابع من الشهر الجاري جاء تحذير الأمم المتحدة من أن "الوقت ينفد" لمنع المجاعة من الاستمرار في الانتشار بدير البلح وخانيونس، بما فيها المواصي، بعد أن باتت غزة المدينة في قبضة التجويع القاتل.

وترسم التقارير الدولية لوحة قاتمة، ففي الخامس من أغسطس/آب نشر المجلس الدنماركي للاجئين (DRC) أن 70% من النازحين باتوا في ضعف شديد يمنعهم من الوصول إلى نقاط المساعدة، حيث يحصل بعضهم على وجبة واحدة أسبوعيا من مطبخ جماعي، فيما يُترك آخرون بلا أي خدمة إنسانية لشهر كامل.

كما أفاد تقرير لمنظمة Refugees International في 20 أغسطس/آب بوفاة نحو 28 طفلا يوميا بسبب الجوع وانهيار الرعاية الصحية، في وقت تعمل فيه أقل من نصف المستشفيات بشكل جزئي.

وتلقى مزاعم الاحتلال ومساعيه لتهجير الغزيين قسرا، رفضا فلسطينيا وعربيا. ووصفت مصر من جانبها، في تصريح لوزير خارجيتها في السادس من الشهر الجاري مزاعم الاحتلال عما يسميه "هجرة طوعية" بأنه "عبث"، مؤكدة أن خلق ظروف القتل والجوع في الشمال يدفع السكان قسرا نحو الجنوب، حيث لا يجدون سوى مجازر جديدة وظروف معيشية كارثية.

وبينما تواصل سلطات الاحتلال الدفع بمئات الآلاف نحو "المواصي"، يتكشف الواقع هناك كمنطقة لا تحمل أي صفة إنسانية: خيمة ضخمة للقتل، والتجويع، والانهيار الصحي والبيئي.

 

 

 

المصدر / فلسطين أون لاين